الخميس، 21 يوليو 2016

فقاعات من أعماق مستنقع قديم ******** بقلم الشاعر إبراهيم العمر


  • تابع , فقاعات من أعماق مستنقع قديم 
  • بقلم الشاعر إبراهيم العمر
  • ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
  • أنا جئت من غير قرار . 
  • أنا سلكت هذا الطريق 
  • من دون رغبة ، 
  • ومن دون اختيار . 
  • أنا وصلت قرارة الخوف 
  • من دون عملية خطف . 
  • أفتّش عن صدر يضمّني 
  • ويرضعني العطف ، 
  • أفتش عن شفاه مبللة ، 
  • وأنفاس دافئة ، 
  • تتسكع على عنقي في الليل 
  • وتهمس بأذني في النهار . 
  • أنا طفلا كبيرا 
  • يستهويه اللعب كالصغار . 
  • أنا ، هكذا ، وجدت نفسي مع الكبار . 
  • عشت فصولي دون ربيع ، 
  • ومراحل حياتي دون مراهقة . 
  • لم أعرف تلك النظرات البريئة المتبادلة ، 
  • والمذكّرات والأسرار . 
  • ألفيت نفسي غريبا ، 
  • في بلد غريب . 
  • وألفيت الحزن يرقد مطمئنا في قلبي 
  • رقاد المساء بين الشجر الصامت . 
  • ألفيت نفسي وحيدا على الرمال . 
  • بعيدا عن موطني ، 
  • وحضن أمي ، 
  • آلاف الأميال . 
  • فجأة ، وجدتني مسؤولا عن حياتي بكل التفاصيل . 
  • لا أحد يهتم لنحيبي وبكائي ودموعي . 
  • لا أحد يهمّه حزني وهمّي وكربي . 
  • لا أحد يمشي على دربي .
  • تركت ربيعي وزيتوني وراء الحدود . 
  • تركت خبزي وضحكاتي وفرنكاتي . 
  • تركت بنطالي الجينز وحذائي القديم . 
  • تركت بندقية الصيد ، والكرم ، وجدولي الجاري . 
  • تركت كتبي ودفاتري وأولاد الحي . 
  • تركت بساتين البرتقال ، 
  • وشجرات الحور العالية على ضفاف النهر . 
  • تركت درجات سلّم بيتنا العتيق ، 
  • وزهور القرطاسية بالجرن الحجر ، 
  • وشتلات الفليفلة والحبق ، 
  • وشجرة الخوخ والسيّاج والبّوابة الحديد . 
  • تركت عصافير الدوري والزقاقي وقضبان الدّبق . 
  • تركت مشاوير البحر ، 
  • ومخيمات الكشّاف . 
  • تركت البراءة والطفولة ، 
  • والمشي بالجزمة البلاستيك في الوحل وتحت المطر . 
  • لم أكن أتصّور بأن هجرتي ستطول ، 
  • وستجّف أوتاري . 
  • وأن الحرب ستقتنص طفولتي 
  • وتدمّر كل آمالي وأحلامي . 
  • حتى نسيت هذا الجزء من حياتي ، 
  • نسيت كيف عشت تلك الفترة من أيامي . 
  • كيف يمكن لتلك الحقبة أن تنمسح من ذاكرتي ؟ 
  • كيف يمكن أن يذبحني بهذا الشكل هذا القدر ؟. 
  • كيف يمكن أن أمسي وأصبح دون حروف ودون كلمات ؟. 
  • كنت أستمتع بأشياء فوق العدم بقليل .. 
  • وأتقاسم مصروف الجيب مع أصدقائي المشّردين.. 
  • كنا معا برضا نلتهم خبز الصدقة لأننا جياع متضورون . 
  • كنت أستمتع بسند ويش فلافل وزجاجة عصير . 
  • كنت أمشي في أغلب المشاوير.. 
  • كنت أسير في البراري والجبال ساعات طويلة . 
  • لم أكن أشتكي من زيادة في ضغط الدم أو في الكوليسترول . 
  • لم أكن قد تعّرفت بعد على الهمبرغر والهوت دوغ ، 
  • والكنتاكي فريد تشكن والبيتزا والستيك والفاهيتا . 
  • لم أكن قد تعرفت بعد على المرتديلا والمايونيز ، 
  • والخردل والكاتشاب والسويا سوس . 
  • لم أكن قد اعتدت بعد على الولائم والعزائم ، 
  • وغداء العمل وعشاء العمل والموائد التي تحوي كل ما لذّ وطاب . 
  • لم أكن قد اعتدت بعد على السهر ، 
  • والكاجو والفستق الحلبي واللوز المحمّص والمشروبات الغازية . 
  • لم أكن قد اعتدت بعد على السيارات الفاخرة والهواتف النقّالة . 
  • كنت أستمتع باللبّنة وزيت الزيتون والبيض المقلي بالزبدة ، 
  • والحمّص والفول مع النعناع والفجل والبصل الأخضر . 
  • كنت أستمتع بالسحلب الساخن والكشك والقمح المسلوق والمهلبية . 
  • كنت أستمتع بالشمندر المسلوق وبعرانيس الذرة المشوّية . 
  • كنت أستمتع بالمناقيش بالزعتر والخبز الأسمر والبطاطا المسلوقة . 
  • كنت اعشق الهند باء والخبيّزة والبلغصون والشقيق والشمر والكّرات . 
  • كنت أعشق الطبيعة والأرض والفول الأخضر والجزر والبازيّلا واللوبيا بالزيت . 
  • كنت أعشق الزعتر البرّي وقرص العنّا . 
  • كنت أعشق اللوز الأخضر والعنب والتين . 
  • كنت أعشق تفاح بشّري ودراّق السّفيرة . 
  • كنت أعشق البندورة الجبلية مع السّماق . 
  • كنت أشرب المياه الباردة الصافية النقية من الصنبور ومن الجداول الجارية . 
  • كنت أكتفي ببزر البطيخ واليقطين والقضامي الممّلحة والعبيد . 
  • كنت أعشق أغاني فيروز ، في كل الأوقات .. 
  • كان صوتها الرقيق يداعب كل جوارحي ، 
  • ويغمرني عند المساء مثل بطانية دافئة . 
  • كان صوت وديع الصافي بلدي ، 
  • فيه حنان الأبوّة وصلابة الصخر وكبرياء الجبل وشموخ الأرز . 
  • وكان يستهويني صوت شارل أزنفور ، جلبير بيكو ، 
  • جوني هوليدي ، وبرنار سوفا ، 
  • وديمس رسوّس ، وميراي ماتيو ، وجو دسّان .. 
  • كانت الموسيقي غير موسيقى تلك الأيام . 
  • كان فيها الكثير من الحب والرومانسية. 
  • كان فيها الكثير من الغزل . 
  • لم يكن فيها هذه الوقاحة وتلك الإباحية ، 
  • لم يكن فيها هذا الاستهتار واللامبالاة بالقّيم والشرائع . 
  • كانت غذاء للروح وطهارة للجسد . 
  • يبدو أن كل شيء قد خضع للكثير من التطّور والتقدّم . 
  • أصبحت الحياة تتسم بالريتم السريع ، 
  • أحلام الماضي كانت أقل بكثير من واقع الحاضر . 
  • احتياجات الماضي كانت أقل بكثير من احتياجات الحاضر . 
  • قناعات الماضي كانت أقل بكثير من قناعات الحاضر . 
  • ازدادت نسبة التلوث في كل مجالات الحياة ، 
  • في الجو ، في الروح ، في الذوق ، 
  • ازدادت نسبة الكآبة والضغوطات النفسية والأمراض . 
  • كان الناس أسعد بالجمعات والسهرات.. 
  • تفّرق الناس ، 
  • وقلّت غيرتهم على بعض ، 
  • قلّ تزاورهم ، 
  • وطغت المصالح الشخصية على كافة التعاملات . 
  • انزوى الناس في بيوتهم ، 
  • مع محطات التلفاز الكثيرة ، 
  • والصحون اللاقطة للأقمار الصناعية التي تجوب السماء . 
  • وغزت فكرة العولمة والكمبيوتر والإنترنت كل الغرف والمكاتب . 
  • فقدنا كل تلك الجلسات والتأملات الروحية . وغزتنا الهواتف النقّالة في كل أوقاتنا وجلساتنا ومشاويرنا وخلواتنا ، 
  • لم نعد نملك حق اختيار التوقيت المناسب ، 
  • والشخص المناسب ، 
  • أصبحنا رهن مزاجية من يختار . 
  • اختلف الناس فيما بينهم حول مفاهيم الحرية والديمقراطية . 
  • الكل يفهم على هواه ، 
  • ويحمّل غيره كل النتائج السلبية . 
  • تختلف الحرية في مفاهيم الأبناء عنها لدى الأهل . 
  • تفكّكت الحياة الأسرية نتيجة للاختلاف في وجهات النظر . 
  • انشغل الآباء والأمهات عن الأولاد بهموم لقمة العيش ، 
  • وتأمين العيش الرغيد للأبناء ، 
  • والانصياع لمظاهر ومطالب هذا العصر . 
  • وضاع الأبناء في غياب الاحتضان والإرشاد العائلي ، 
  • في تعاطي المخدّرات ، 
  • والموسيقى الروك والهافي ميتال ، 
  • والجنس الرخيص ، 
  • وحفلات فَض البكارة المبكّرة ، 
  • والتلذّذ بالعبث بهذا الجسد البشري ، 
  • وكلّ ما تأتي به الأفكار الغربية ، 
  • لغزو شرائعنا ومعتقداتنا وحياتنا الروحية . 
  • واقتناص الطفولة والبراءة من حياة أطفالنا . 
  • وتفتيت عائلاتنا ومجتمعاتنا وأوطاننا . 
  • وكل من يعترض أو ينتقد يوصف بالتزّمت والرجعّية ، 
  • وعدم القدرة على مواكبة الحضارة والتمّدن . 
  • تمازجت الأفكار والشرائع والتقاليد والعادات مع المستجدّات العصرية . 
  • ضعف الأساس وضعف الهيكل وضعف البناء. 
  • واختلط على الجميع تحديد مواطن الضعف . 
  • أضحينا أجساد نخرة ، ومجتمعات نخرة ، وأوطان نخرة . ازدادت قدراتنا على المناظرات وإلقاء الخطب والمواعظ ، 
  • وفبركة الآراء والخطط والأفكار . 
  • المتفلسف مرآة تعكس رسوم الأشياء ولا تراها . 
  • وفقدنا الكثير من المصداقية في التعاملات ، 
  • فقدنا القدرة على اتخاذ القرار ، 
  • فقدنا القدرة على التطبيق والحزم والالتزام . 
  • تركنا للأغراب حرية العبث بنا وبأولادنا وبمجتمعاتنا . 
  • فقدنا القدرة على استثمار وقتنا ، وتحديد أولوياتنا . 
  • وأضحت كل أعمالنا وتصرفّاتنا ، 
  • ردّات فعل ، 
  • وحالات إسعاف طارئة . 
  • وليست نتيجة تفكير سليم 
  • ومبادرة ورؤيا مستقبلية 
  • وخطى وقائية واحترازية . 
  • أصبحنا نفكّر بمعالجة النتائج ، 
  • ونتجاهل المسببّات . 
  • غالبا ما نضطرب ونتوتر ، 
  • وتفرض علينا القرارات ، 
  • والتي غالبا ما تكون الأكثر كلفة ، 
  • أو الأكثر توفرا ، 
  • وليس الأنسب ، 
  • وغالبا ما تكون معالجاتنا عقيمة ، 
  • ويكون توقيتنا حين يسبق السيف العزل ، 
  • ولاة حين مندم . 
  • كثيرا ما تكون الندامة مجلبة للسخرية . 
  • العلم والدين متفقان أما العلم والمذهب فلن يتفقا . 
  • أقربنا من الله أقربنا من الناس . 
  • تضيع الفضائل في المصالح الشخصية .
  • ــــــــــــــــــــــــــــ
  • إبراهيم العمر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق