- تابع , فقاعات من أعماق مستنقع قديم
- بقلم الشاعر إبراهيم العمر
- ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- أنا جئت من غير قرار .
- أنا سلكت هذا الطريق
- من دون رغبة ،
- ومن دون اختيار .
- أنا وصلت قرارة الخوف
- من دون عملية خطف .
- أفتّش عن صدر يضمّني
- ويرضعني العطف ،
- أفتش عن شفاه مبللة ،
- وأنفاس دافئة ،
- تتسكع على عنقي في الليل
- وتهمس بأذني في النهار .
- أنا طفلا كبيرا
- يستهويه اللعب كالصغار .
- أنا ، هكذا ، وجدت نفسي مع الكبار .
- عشت فصولي دون ربيع ،
- ومراحل حياتي دون مراهقة .
- لم أعرف تلك النظرات البريئة المتبادلة ،
- والمذكّرات والأسرار .
- ألفيت نفسي غريبا ،
- في بلد غريب .
- وألفيت الحزن يرقد مطمئنا في قلبي
- رقاد المساء بين الشجر الصامت .
- ألفيت نفسي وحيدا على الرمال .
- بعيدا عن موطني ،
- وحضن أمي ،
- آلاف الأميال .
- فجأة ، وجدتني مسؤولا عن حياتي بكل التفاصيل .
- لا أحد يهتم لنحيبي وبكائي ودموعي .
- لا أحد يهمّه حزني وهمّي وكربي .
- لا أحد يمشي على دربي .
- تركت ربيعي وزيتوني وراء الحدود .
- تركت خبزي وضحكاتي وفرنكاتي .
- تركت بنطالي الجينز وحذائي القديم .
- تركت بندقية الصيد ، والكرم ، وجدولي الجاري .
- تركت كتبي ودفاتري وأولاد الحي .
- تركت بساتين البرتقال ،
- وشجرات الحور العالية على ضفاف النهر .
- تركت درجات سلّم بيتنا العتيق ،
- وزهور القرطاسية بالجرن الحجر ،
- وشتلات الفليفلة والحبق ،
- وشجرة الخوخ والسيّاج والبّوابة الحديد .
- تركت عصافير الدوري والزقاقي وقضبان الدّبق .
- تركت مشاوير البحر ،
- ومخيمات الكشّاف .
- تركت البراءة والطفولة ،
- والمشي بالجزمة البلاستيك في الوحل وتحت المطر .
- لم أكن أتصّور بأن هجرتي ستطول ،
- وستجّف أوتاري .
- وأن الحرب ستقتنص طفولتي
- وتدمّر كل آمالي وأحلامي .
- حتى نسيت هذا الجزء من حياتي ،
- نسيت كيف عشت تلك الفترة من أيامي .
- كيف يمكن لتلك الحقبة أن تنمسح من ذاكرتي ؟
- كيف يمكن أن يذبحني بهذا الشكل هذا القدر ؟.
- كيف يمكن أن أمسي وأصبح دون حروف ودون كلمات ؟.
- كنت أستمتع بأشياء فوق العدم بقليل ..
- وأتقاسم مصروف الجيب مع أصدقائي المشّردين..
- كنا معا برضا نلتهم خبز الصدقة لأننا جياع متضورون .
- كنت أستمتع بسند ويش فلافل وزجاجة عصير .
- كنت أمشي في أغلب المشاوير..
- كنت أسير في البراري والجبال ساعات طويلة .
- لم أكن أشتكي من زيادة في ضغط الدم أو في الكوليسترول .
- لم أكن قد تعّرفت بعد على الهمبرغر والهوت دوغ ،
- والكنتاكي فريد تشكن والبيتزا والستيك والفاهيتا .
- لم أكن قد تعرفت بعد على المرتديلا والمايونيز ،
- والخردل والكاتشاب والسويا سوس .
- لم أكن قد اعتدت بعد على الولائم والعزائم ،
- وغداء العمل وعشاء العمل والموائد التي تحوي كل ما لذّ وطاب .
- لم أكن قد اعتدت بعد على السهر ،
- والكاجو والفستق الحلبي واللوز المحمّص والمشروبات الغازية .
- لم أكن قد اعتدت بعد على السيارات الفاخرة والهواتف النقّالة .
- كنت أستمتع باللبّنة وزيت الزيتون والبيض المقلي بالزبدة ،
- والحمّص والفول مع النعناع والفجل والبصل الأخضر .
- كنت أستمتع بالسحلب الساخن والكشك والقمح المسلوق والمهلبية .
- كنت أستمتع بالشمندر المسلوق وبعرانيس الذرة المشوّية .
- كنت أستمتع بالمناقيش بالزعتر والخبز الأسمر والبطاطا المسلوقة .
- كنت اعشق الهند باء والخبيّزة والبلغصون والشقيق والشمر والكّرات .
- كنت أعشق الطبيعة والأرض والفول الأخضر والجزر والبازيّلا واللوبيا بالزيت .
- كنت أعشق الزعتر البرّي وقرص العنّا .
- كنت أعشق اللوز الأخضر والعنب والتين .
- كنت أعشق تفاح بشّري ودراّق السّفيرة .
- كنت أعشق البندورة الجبلية مع السّماق .
- كنت أشرب المياه الباردة الصافية النقية من الصنبور ومن الجداول الجارية .
- كنت أكتفي ببزر البطيخ واليقطين والقضامي الممّلحة والعبيد .
- كنت أعشق أغاني فيروز ، في كل الأوقات ..
- كان صوتها الرقيق يداعب كل جوارحي ،
- ويغمرني عند المساء مثل بطانية دافئة .
- كان صوت وديع الصافي بلدي ،
- فيه حنان الأبوّة وصلابة الصخر وكبرياء الجبل وشموخ الأرز .
- وكان يستهويني صوت شارل أزنفور ، جلبير بيكو ،
- جوني هوليدي ، وبرنار سوفا ،
- وديمس رسوّس ، وميراي ماتيو ، وجو دسّان ..
- كانت الموسيقي غير موسيقى تلك الأيام .
- كان فيها الكثير من الحب والرومانسية.
- كان فيها الكثير من الغزل .
- لم يكن فيها هذه الوقاحة وتلك الإباحية ،
- لم يكن فيها هذا الاستهتار واللامبالاة بالقّيم والشرائع .
- كانت غذاء للروح وطهارة للجسد .
- يبدو أن كل شيء قد خضع للكثير من التطّور والتقدّم .
- أصبحت الحياة تتسم بالريتم السريع ،
- أحلام الماضي كانت أقل بكثير من واقع الحاضر .
- احتياجات الماضي كانت أقل بكثير من احتياجات الحاضر .
- قناعات الماضي كانت أقل بكثير من قناعات الحاضر .
- ازدادت نسبة التلوث في كل مجالات الحياة ،
- في الجو ، في الروح ، في الذوق ،
- ازدادت نسبة الكآبة والضغوطات النفسية والأمراض .
- كان الناس أسعد بالجمعات والسهرات..
- تفّرق الناس ،
- وقلّت غيرتهم على بعض ،
- قلّ تزاورهم ،
- وطغت المصالح الشخصية على كافة التعاملات .
- انزوى الناس في بيوتهم ،
- مع محطات التلفاز الكثيرة ،
- والصحون اللاقطة للأقمار الصناعية التي تجوب السماء .
- وغزت فكرة العولمة والكمبيوتر والإنترنت كل الغرف والمكاتب .
- فقدنا كل تلك الجلسات والتأملات الروحية . وغزتنا الهواتف النقّالة في كل أوقاتنا وجلساتنا ومشاويرنا وخلواتنا ،
- لم نعد نملك حق اختيار التوقيت المناسب ،
- والشخص المناسب ،
- أصبحنا رهن مزاجية من يختار .
- اختلف الناس فيما بينهم حول مفاهيم الحرية والديمقراطية .
- الكل يفهم على هواه ،
- ويحمّل غيره كل النتائج السلبية .
- تختلف الحرية في مفاهيم الأبناء عنها لدى الأهل .
- تفكّكت الحياة الأسرية نتيجة للاختلاف في وجهات النظر .
- انشغل الآباء والأمهات عن الأولاد بهموم لقمة العيش ،
- وتأمين العيش الرغيد للأبناء ،
- والانصياع لمظاهر ومطالب هذا العصر .
- وضاع الأبناء في غياب الاحتضان والإرشاد العائلي ،
- في تعاطي المخدّرات ،
- والموسيقى الروك والهافي ميتال ،
- والجنس الرخيص ،
- وحفلات فَض البكارة المبكّرة ،
- والتلذّذ بالعبث بهذا الجسد البشري ،
- وكلّ ما تأتي به الأفكار الغربية ،
- لغزو شرائعنا ومعتقداتنا وحياتنا الروحية .
- واقتناص الطفولة والبراءة من حياة أطفالنا .
- وتفتيت عائلاتنا ومجتمعاتنا وأوطاننا .
- وكل من يعترض أو ينتقد يوصف بالتزّمت والرجعّية ،
- وعدم القدرة على مواكبة الحضارة والتمّدن .
- تمازجت الأفكار والشرائع والتقاليد والعادات مع المستجدّات العصرية .
- ضعف الأساس وضعف الهيكل وضعف البناء.
- واختلط على الجميع تحديد مواطن الضعف .
- أضحينا أجساد نخرة ، ومجتمعات نخرة ، وأوطان نخرة . ازدادت قدراتنا على المناظرات وإلقاء الخطب والمواعظ ،
- وفبركة الآراء والخطط والأفكار .
- المتفلسف مرآة تعكس رسوم الأشياء ولا تراها .
- وفقدنا الكثير من المصداقية في التعاملات ،
- فقدنا القدرة على اتخاذ القرار ،
- فقدنا القدرة على التطبيق والحزم والالتزام .
- تركنا للأغراب حرية العبث بنا وبأولادنا وبمجتمعاتنا .
- فقدنا القدرة على استثمار وقتنا ، وتحديد أولوياتنا .
- وأضحت كل أعمالنا وتصرفّاتنا ،
- ردّات فعل ،
- وحالات إسعاف طارئة .
- وليست نتيجة تفكير سليم
- ومبادرة ورؤيا مستقبلية
- وخطى وقائية واحترازية .
- أصبحنا نفكّر بمعالجة النتائج ،
- ونتجاهل المسببّات .
- غالبا ما نضطرب ونتوتر ،
- وتفرض علينا القرارات ،
- والتي غالبا ما تكون الأكثر كلفة ،
- أو الأكثر توفرا ،
- وليس الأنسب ،
- وغالبا ما تكون معالجاتنا عقيمة ،
- ويكون توقيتنا حين يسبق السيف العزل ،
- ولاة حين مندم .
- كثيرا ما تكون الندامة مجلبة للسخرية .
- العلم والدين متفقان أما العلم والمذهب فلن يتفقا .
- أقربنا من الله أقربنا من الناس .
- تضيع الفضائل في المصالح الشخصية .
- ــــــــــــــــــــــــــــ
- إبراهيم العمر
الخميس، 21 يوليو 2016
فقاعات من أعماق مستنقع قديم ******** بقلم الشاعر إبراهيم العمر
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق