جزاء السنين.
استطاع بعد لأي أن ينفض غبار الزمان عن ذاكرته المترهلة. هو شيخ قد جاوز الثمانين ببضعة خطوب. اختبره الزمان فتلقحت ذاته و تحصنت ضد كل صنوف الأحداث. استوت عنده الخطوط عند خط الاستواء. تذكر كيف كان يستيقظ مع تباشير الفجر الأولى فيتقمص دو الأم الرؤوف. ثم يخلع حلة الأمومة
و يلبس عباءة الأب الكادح. يخرج للعمل ، يقضي اليوم بين الحقول و البساتين يرويها فيضا من عطائه ، فتكيل له العطاء عطاءين.بينهما ألفة عجيبة. يوم يغيبه طارئ تجحد الأرض ، فلا تدر ، و تشح فلا تعطي ، و تقسو فلا تلين لأحد غيره. سكن من الناس أخمص قلوبهم ، الكل ينادونه" بابا"...
جذب نفسا عميقا. ثم سوى طربوشه و عمامته، فكأنه يرمم كبرياءه. سمع طرقات خغيفة . اعتدل دون استناد. أرسل ابتسامته المعهودة . " بابا .. عمت صباحا..". و يدلف الرجل الأربعيني إلى الداخل. يجلس على حافة السرير. ثم ينشج
و تسقط عبراته حارة فتروي خديه. بأخذه بين أحضانه. و يربت على شيباته و ظهره مواسيا . ثم ألفيناه يقول " لا تحزن .. هي الدنيا هكذا . يبشرنا الودق، فنحرث و نزرع ،و قد يصدق النوء و قد لا يصدق، فتصيص الصابة". ثم يأخذ نفسا آخر عميقا
و تسرح عيناه في سقف غرفة مأوى العجز.
بقلم الطيب جامعي.
( قصة قصيرة).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق